/ الفَائِدَةُ : (32) /
29/10/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / المعرفة بالآيات ومرادفاتها الإِلٰهيَّة أَقصر الطرق لمعرفة السَّاحة الإِلٰهيَّة / إِنَّ المعرفة بالآيات والأَفعال الإِلٰهيَّة ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة أَقصر طريق لمعرفة الباري تعالىٰ ذكره ، وهذا ما تُؤكِّد وتُشدِّد وتصرُّ عليه بيانات الوحي في أَبواب التَّوحيد وفنون المعارف التَّوحيديَّة . فانظر : بيانات الوحي ، منها : 1ـ بیان سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في جوابه على سؤال رجل من اليهود : « ... يا محمَّد ، اَخبرني عن هذا الرَّبّ الَّذي تدعو إِلى وحدانيَّته ... فبأيِّ شيءٍ تعلم أَنَّه موجود ؟ قال : بآياته وَأَعلامه ... »(1). 2ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فإِنَّه سُئِلَ عن العَالَم العلوي فقال : « صور عارية من الموادِّ ، عالية عن القوَّة والاستعداد ، تجلَّىٰ لها فأَشرقت ، وطالعها فتلألأت ، واُلقي في هويَّتها مثاله فأَظهر عنها أَفعاله ... »(2) . 3ـ بیان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ في جوابه على سؤالٍ : « ما الدَّليل على صانع العَالَم ؟ فقال أَبو عبداللّٰـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : وجود الأَفاعيل الَّتي دلَّت على أَنَّ صانعها صنعها ... »(3). 4ـ بيان الإِمام الرِّضا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... وفي الأَشياء يوجد أَفعالها ... بها تجلَّىٰ صانعها للعقول، وبها احتجب عن الرؤية ، وإِليها تحاكم الأَوهام ، وفيها أَثبت غيره ، ومنها اُنيط الدَّليل ، وبها عرَّفها الإِقرار ... »(4). 5ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « ... بصنع اللّٰـه يُستدلّ عليه ... وأَسمآؤه تعبير، وأَفعاله تفهيم ... »(5). 6ـ بيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً في جوابه على سُؤال عمران الصَّابي : « ... يا سيِّدي ، فبأَيِّ شيءٍ عرفناه ؟ قال : بغيره . قال : فأَيّ شيءٍ غيره ؟ قال الرِّضا عَلَيْهِ السَّلاَمُ : مشيَّته واسمه وصفته وما أَشبه ذلك ، وكُلُّ ذلك مُحدَث مخلوق مدبر ... ولكن يُدَلُّ على اللّٰـه (عَزَّ وَجَلَّ) بصفاته ، ويُدرَك بأَسمائه ، ويُستدلُّ عليه بخلقه ، حقٌّ لا يحتاج في ذلك الطَّالب المرتاد إِلى رؤية عين ، ولا استماع أُذن ، ولا لمس كف ، ولا إِحاطة بقلبٍ ، ولو كانت صفاته جلَّ ثناؤه لا تدلُّ عليه ، أَسماؤه لا تدعو إِليه ، والمُعلّمة من الخلق لا تُدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأَسمائه وصفاته دون معناه ، فلولا أَنَّ ذلك كذلك لكان المعبود المُوَحَّد غير اللّٰـه ؛ لأَنَّ صفاته وأَسمائه غيره ...»(6). 7ـ بیان الزيارة الجامعة لأَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : « ... فنطقت شواهد صنعكَ فيه بأنَّكَ أَنتَ اللّٰـه لا إِلٰه إِلَّا أَنتَ ، مكونه وبارئه وفاطره ...»(7). ودلالته ـ كدلالة سوابقه ـ واضحة. إِذَنْ : نظام التَّوحيد لا يُقام إِلَّا بالآيات ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ، وهي لا تقف عند حدٍّ ولا تنتهي أَبداً. وبالجملة : أَصل معرفة الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة الُمقدَّسة لا تتحقَّق إِلَّا بالآيات ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة ، وهي وجه ورشحة وتجلِّي وظهور للذَّات الإِلٰهيَّة الُمقدَّسة. نعم ، الآيات ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة على مراتب وطبقات ، وأَهمُّ ما في هذه المراتب والطَّبقات نحوان ـ اسْتُفِيدَ من بيانات الوحي ـ : الأَوَّل : ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : بيان قوله تعالىٰ : [وَلِلَّـهِ الْأَسْمَاءُ الْـحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا](8). وهذا النحو من الآيات الإِلٰهيَّة ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة لا توجد فيه شائبة الأَنا والمخلوقيَّة ، وخالص في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة والمقامات الرُّبوبيَّة. واَصطلح أَهل المعرفة ـ اقتباساً من بيانات الوحي ـ على هذا النحو بـ : (الفيض الأَقدس). ومرادهم من (الفيض): الظهور والتَّجلِّي. ومن (الأَقدس ): خلوّ هذا النَّحو من شائبة الأَنا والمخلوقيَّة. وهذا النَّحو تُشير إِليه بيانات الوحي بعنوان: (سُرَادِقَات الرُّبوبيَّة). والسُّرَادِق نظير النَّفق، ومعناه : ظهورات وتجلِّيات وفيوضات مُتكثِّرة ؛ فالآيات والأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة وسائر مرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة وإِن كانت مُتكثِّرة ، لكنَّها أَقدس من أَنْ يشوبها رائحة المخلوقيَّة. الثَّاني: ما أَشارت إِليه بيانات الوحي الْأُخْرَى ، منها : بیان قوله جلَّ شأنه : [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ](9). وفي هذا النَّحو من الآيات الإِلٰهيَّة ومرادفاتها الإِلٰهيَّة العقليَّة لم تَنْمَحِ فيه شائبة الأَنَا والمخلوقيَّة ؛ إِذ توجد فيه جنبتان : إِحداهما : جنبة المخلوقيَّة. الأُخرىٰ: جنبة اِسْمِيَّة المخلوق وآيتيَّته لربِّه (عَزَّ وَجَلَّ). وهذه الجنبة أَشرف شيء في المخلوق. ثُمَّ إِنَّه كُلَّمَا ضعفت إِحدىٰ هاتين الجنبتين في المخلوق قویت وبرزت الأُخرىٰ. ثُمَّ إِنَّ إِخلاص المخلوق لباريه تعالىٰ غنيمة لنفس المخلوق ؛ لأَنَّ في الإِضافة له (عَزَّ وَجَلَّ) إِمْدَاد لا اِنْقِطَاع له أَبداً ، بخلاف الإِضافة إِلى الذَّات المخلوقة ؛ فإِنَّه مهما على شأن وشأو تلك الذَّات لابُدَّ أَنْ تكون محدودة ، وإِمْدَادها مقطوعاً ، ومن ثَمَّ كان الإِخلاص أَحد عناوين ولغات الاسم الإِلٰهيّ. وهذا هو فلسفة الإِخلاص بلغة الذَّوق العقلي. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) توحيد الصدوق، ب61 : 386ـ387/ حاشية : 13. (2) بحار الأَنوار، 40: 165. (3) بحار الأَنوار، 3: 29/ح3. (4) بحار الأَنوار، 4: 227 ـ 230/ح3. (5) توحيد الصدوق: 37/ح2. (6) عيون أَخبار الرِّضا عَلَيْهِ السَّلاَمُ ، 1: 122 ـ 136/ ح1. (7) بحار الأَنوار، 99: 167. (8) الأَعراف : 180. (9) الغاشية : 17ـ 20